المعلمون ومهنة التعليم في اليابان:كيف يقضي المعلم الياباني يومه المدرسي؟
ترجمة د. فوزية البكر
يبدأ اليوم الدراسي للمعلم الياباني في معظم المراحل في الساعة 8,5 صباحاً وينتهي الساعة 5,5 مساءً في العادة ألا أن ذلك قد يمتد إلى السادسة كما يتم عقد معظم الاجتماعات الخاصة بالأنشطة المدرسية بعد نهاية الدوام بحيث يصل المعلمون إلى منازلهم حوالي الساعة العاشرة مساءً.
يبدوا المدرسون مشغولون طوال تواجدهم في المدرسة ويختلف مقدار هذا الانشغال بحسب نوع المدرسة والمرحلة الدراسية والدوافع الذاتية للمدرسين ألا أن جميعهم دون استثناء يقومون بالكثير إلى جانب التدريس.
معلم المرحلة الابتدائية يقضي معظم وقته داخل فصله لذا تراه مشغولا بالتدريس طوال النهار ماعدا الفترات التي يدرس فيها الطلبة الموسيقى. معلّمو المرحلة المتوسطة والثانوية يدرسون من ثلاث إلى أربع حصص من ستة حصص يومية ولكن يضطر معظم المدرسون إلى البقاء حتى الساعة السادسة والنصف وذلك لانشغالهم بنشاطات بعض الأندية المدرسية أو لحضور ورش عمل بحثية أو خلافه.
ورغم أن المدرسون يقضون ساعات طويلة في المدرسة ألا أن وقتهم ليس مخصصاً للتدريس فقط فهم يقومون بالتخطيط لدروسهم سواء بشكل منفرد أو مع غيرهم من المدرسين كما يتوقع منهم أن يخصصوا جزء من الوقت للتحدث مع الطلبة سواء بين الحصص الدراسية أو قبل بدء المدرسة أو بعد انتهاءها وتأخذ المهام الإدارية الكثير من وقتهم.
ساعات العمل:
في المتوسط يعمل المدرسون اليابانيون من الساعة 8,5 صباحاً وحتى 5,5 مساء مع بعض التأخر لبعض ليالي الأسبوع كما يطالبون بالعمل يوم السبت ( يوم ألأجازة)مرتين في الشهر.
معظم المدرسين يأخذون عطلة صيفية لمدة 10 أيام في أغسطس وكذلك عدة أيام في نهاية السنة الدراسية اليابانية ( مارس ) وفي بداية السنة الميلادية ( يناير ).
ورغم كل ذلك لا يبدوا على المعلمون اليابانيون أي شعور بضغط ساعات العمل!
ليس ذلك فقط فالمدرسون الجدد ولقلة خبرتهم يمضون في العادة أوقات أطول في المدرسة للتخطيط وأعداد الدروس ومتابعة النشاطات ولذا يضطر هؤلاء في العادة خلال سنواتهم الثلاث الأولى إلى البقاء بشكل يومي في المدرسة حتى العاشرة مساء! ولذا فقليل منهم لديه مسئوليات عائلية في هذه المرحلة إذ يتوقع منه أن يخصص كل وقته وجهده للعمل دون أي شعور بأنه يقدم شيء غير اعتيادي.
وتحكي أحدى المدرسات في المرحلة المتوسطة عن يومها المدرسي قائلة: سيكون لدينا احتفال للدراسات الاجتماعية قريبا وقد كان لدينا اجتماع البارحة حول ذلك انتهى في العاشرة مساء! كما أن لدينا عملاً قادماً في المتحف الوطني إذ سيقوم طلبة الصف الخامس بمشروع لغرفة التاريخ في المتحف وسأكون مدرستهم وذلك حلال عطلة الصيف ونحن نعد لذلك الآن كما أن لدينا ما يسمى بمشروع العشر سنوات وذلك لكتابة تاريخ المدينة في كتاب ونحن نقوم بأبحاثنا حول ذلك الآن إضافة إلى أشرافي على بعض الأندية المدرسية مثل نادي كرة القدم للبنات ونادي السباحة وكذلك اجتماعات المدرسين بلجانها المختلفة واجتماع لجنة الصياغة وهكذا لا نجد وقتاً كافياً مما يضطرنا إلى التأخر كل ليلة تقريباً حتى العاشرة مساءً.
ولا يختلف معالمدرسي:لة الثانوية أو الصناعية عن ذلك والذين يقضون أوقاتاً طويلة في المدرسة بعد انصراف الطلبة للعمل على الآلات أو تجري أشياء أو أفكار جديدة أو محاولة تنمية بعض المهارات وهو ما يؤهل المتميزون منهم للانتقال إلى مراتب وظيفية أعلى كباحثين أو أداريين.
توزيع الوقت المدرسي :
رغم الحرص على الوقت ورغم دقة المعلمون في الوصول إلى المدرسة في الوقت المحدد ألا أن الكثير من المرونة في تعامل المعلمون مع جداولهم خاصة في المرحلة الابتدائية حيث يقضي المعلمون معظم وقتهم في الفصول وهم من يحدد نهاية الحصة وبدايتها حسب استعداد الطلبة وانتهاءهم من موضوع معين لا بحسب الجرس المدرسي كما أن السير في الدروس يقرر بواسطة تقدير المدرس وليس فقط حسب الخطة الشهرية.
ويظهر احترام الوقت وحسن استغلاله أكثر ما يظهر في الاجتماع الصباحي الذي تبدأ به المدارس اليابانية يومها والذي لا يتجاوز الخمس دقائق.
وفي المدرسة الابتدائية يسمى هذا الاجتماع لقاء المدرسين ويتبادل المعلمون خلاله المعلومات التي تخص الطلاب أو اللجان التي يعملون بها وتترك النقاشات أو البرامج التفصيلية لاجتماعات بعد الظهر التي قد تستمر حتى العاشرة.
وفي المدرسة المتوسطة و الثانوية يتبع الاجتماع الصباحي نفس النظام والمهنية الدقيقة ويهدف أيضا إلى تبادل المعلومات ومشاركتها مع باقي الأعضاء وقد حضرت الباحثة اجتماعا لأحد المدارس الثانوية: حيث كانت غرفة المدرسين خالية تماماً وذلك في الساعة 8,25 دقيقة . في تمام الساعة 8,29 كان كافة المدرسين قد جلسوا على مقاعدهم حول طاولة الاجتماع . الساعة 8,30 دق جرس بدء اليوم الدراسي ، فيما يدخل الطلبة الفصول كان الاجتماع قائماً وانتهي بالضبط في الساعة 8,35 دقيقة !
اعلانات
احترام االمدرسي:خدامه بدقة والاستفادة منه في أشراك المعلمين الآخرين حول موضوعات تخص الطلبة أو مشكلة تعترض أحد المدرسين أو استراتيجية جديدة تقترح لمواجهة وضع معين كان أبرز ما يميز المدرسة اليابانية.
التنظيم المدرسي :
تتميز المدارس اليابانية بنظام أداري معقد البنية تطور عبر السنين ويوجد في كل مدرسة دليل مدرسي يشمل بالتفصيل كل أجزاء التنظيم المدرسي ومسئوليات كل فرد داخل هذا التنظيم وسنلاحظ من خلاله أن الكثير من الواجبات التي قد تؤدى بواسطة الإداريين أو السكرتارية أو أعمال الصيانة في دول أخرى هي من المسئوليات الأساسية للمدرس في المدرسة اليابانية.
وعلى المستوى التنظيمي هناك قائمة طويلة من اللجان المختلفة بمسئولياتها المتعددة لدى كل مدرسة يابانية والتي يشملها الدليل المدرسي سابق الذكر بحيث يطبع ويوزع على أعضاء الهيئة المدرسية كل عام بحيث يتم توزيع المسئوليات الإدارية في المدرسة على المعلمين بشكل تفصيلي داخل لجان ثم إلى لجان أصغر فأصغر وعلى سبيل المثال وكنموذج لأحدى المدارس الابتدائية توجد اللجان التالية: لجنة الإرشاد الطلابي، لجنة المدرسة الصحية، لجنة حل المنازعات المدرسية، لجنة اختيار المواد الدراسية، لجنة الميزانية، لجنة السلامة والثقافة المدرسية، لجنة العلوم، لجنة الدراسات الاجتماعية، لجنة المكتبة، لجنة الإذاعة المدرسية، لجنة الغذاء المدرسي، لجنة العناية بالنباتات، لجنة النظافة الأرضية، لجنة الاستراتيجيات الطارئة، لجنة ممثلي المراحل المختلفة (كل مرحلة دراسية لها لجنة، الصف الأول، الثاني، الثالث)الخ لجان للأندية المدرسية المختلفة: نادي السباحة، نادي كرة القدم، نادي المسرح المدرسي، الخ.
وهكذا يتم تقسيم العمل بشكل تفصيلي وبتوضيح لكل الواجبات الدقيقة داخل كل لجنة ويتم توزيع هذه اللجان على المدرسين جميعاً بمشاركة أعضاء الهيئة الإدارية وتقدم كل لجنة تقارير عن اجتماعاتها لمن هم فوقها من اللجان ليتم مناقشة ما توصلت إليه والتصديق عليه ومتابعة تنفيذه بما يضمن الكثير من التفاعل بين كافة الأعضاء في المدرسة عاملون وطلاب فالجميع مشغولون بعملهم الأساسي في التدريس ثم في اللجان والأندية مما يجعل الجميع منغمسون في العمل المدرسي حتى ساعات متأخرة بما في ذلك الطلبة الذين يبقى الكثير منهم بعد نهاية اليوم الدراسي للممارسة أنشطته المفضلة عبر الأندية المختلفة.
أن التوزيع الدقيق للعمل داخل اللجان يضمن معرفة كل مدرس بما هو متوقع منه ولما يجب عليه عمله وكل ذلك موضح في الدليل المدرسي الذي يعود له كل مدرس للتنسيق لعمل لجنته عبر عمل اللجان الأخرى وهو ما يضمن وصفاً دقيقاً لمسئولية كل عضو في المدرسة ودوره حتى في نظافة المبني وسلامته بحيث يمكن العودة لدليل لمعرفة أين المدرس الآن بحسب الوقت والدور وهو ما يضمن المشاركة الفاعلة في الأمور الإدارية للجميع كما يسمح بتوزيع السلطات والمشاركة في صنع القرارات ومتابعة تنفيذها من قبل اللجان.
إضافة لذلك يقوم المعلمون بحضور العديد من الاجتماعات خارج المدرسة بحيث يكونون أعضاء في اللجان لتمثيل مدارسهم على المستوى القطري أو الوطني.
وبعد ذلك هل يمكن أن نسأل عن ماذا بقي للمدرسين ليعيشوا حياتهم الاجتماعية مع أسرهم أو أصدقائهم من المدرسين الآخرين ؟
هناك الكثير من التبادل والصداقات بين المدرسين كما أن المدرسين أنفسهم يقدمون جزء شهرياً من رواتبهم للمناسبات الاجتماعية، حيث يحرص المديرون على أخذهم لرحلات شهرية للينابيع الساخنة التي تشتهر بها اليابان. داخل المدرسة يقتصر تفاعل المدرسين الاجتماعي في وجودهم داخل غرفة المدرسين عدا ذلك فهم مشغولون بالعمل طوال اليوم .