الهجرة النبوية هجرة رسول الله ³ وأصحابه وأهله والمسلمين من مكة إلى يثرب (المدينة)، بعد أن اشتد عليهم أذى مشركي قريش. وهذه الهجرة كهجرة أصحابه ³، الأولى إلى الحبشة، كانت نتيجة مباشرة لمقاومة كفار قريش نشر الرسالة. انظر: الهجرة إلى الحبشة. وكانت الهجرة إلى المدينة المخرج الذي مَنَّ الله به على رسوله ³، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، ولتقوم دولة الإسلام بالمدينة وينتشر الإسلام ويعود إلى مكة فاتحًا منتصرًا.
مقاطعة قريش لبني هاشم
لما رأت قريش أن أصحاب رسول الله ³، قد نزلوا الحبشة في خير منزل، ووجدوا فيها أمنًا واستقرارًا، في حماية النجاشي الذي أكرم مقدمهم وأحسن إليهم، وأن كبار قريش أمثال: عمر بن الخطاب وحمزة بن عبدالمطلب، قد أسلموا وانحازوا إلى صف المسلمين وأن الإسلام أخذ ينتشر بين القبائل؛ اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا صحيفة يتعاقدون فيها على بني المطلب، على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا ولا يبتاعوا منهم، فكتبوا ذلك ثم تعاهدوا وتواثقوا عليه وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة تأكيدًا لعزمهم على تنفيذ ما جاء فيها.
واستمر حصار قريش لبني هاشم ثلاث سنوات، من السنة السابعة من مبعثه ³ إلى السنة العاشرة، وانحاز بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبه إلا أبا لهب فإنه انحاز إلى قريش. كانت المقاطعة شاملة، قطعوا عنهم المؤن وحصروهم في شعب أبي طالب، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغ منهم الجهد مداه، وسُمعت أصوات صبيانهم من وراء الشِّعب يتضاغون من شدة الجوع. وفي هذا الأثناء، كشف الله لرسوله ³ خبر صحيفة قريش التي علّقت بالكعبة، وأن دابة الأرض (الأرضة) قد أكلت ما كتب فيها من ظلم ولم يبق فيها إلا اسم الله. وحدّث رسول الله ³، عمه أبا طالب بذلك، فخرج أبوطالب إلى قريش وكلمهم بخبر الصحيفة، وقال لهم هذا ما قاله ابن أخي، فإن كان حقًا رفعتم عنا الظلم والحصار، وإن كان غير ذلك دفعنا إليكم محمدًا لتقتلوه، ولما تبين لقريش صدق رسول الله ³، نكصوا على أعقابهم ولم يرضوا بما قاله أبوطالب، إلا أن بعض رجال قريش، ممن كان لهم رحم ببني هاشم، لم يعجبهم ما ذهب إليه سادة قريش بشأن الحصار وسعى بعضهم في نقض ماجاء في الصحيفة، من هؤلاء هشام بن عمرو بن ربيعة ومُطعم بن عدي، ورأوا أن يجيروا بني هاشم بحد السلاح خوفًا من اعتراض قريش، فأخرجوا بني هاشم من الشعب بحماية عدد من رجالهم المسلمين، وهال قريشًا ما رأت، لكن كان لابد لهم من أن يستسلموا للأمر الواقع. وهكذا انتهى الحصار بعد ثلاث سنوات أظهر فيها بنو هاشم قوة شكيمتهم، وصلابة معدنهم واستعدادهم للصبر والمثابرة والرباط إلى آخر رجل منهم، وفي هذا يقول أبو طالب:
فلسنا ورب البيت نُسلم أحمدا لعزاء من عض الزمان ولا كرب
ولسنا نملّ الحرب حتى تملَّنا ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب
ولكنّنا أهل الحفائظ والنهى إذا طار أرواح الكماة من الرعب
واجتاز الرسول ³ وبنو هاشم هذا الامتحان الصعب. وأبلى فيه أبو طالب بلاءً حسنًا، لكنه توفي بعد ذلك بقليل، وتوفيت خديجة رضي الله عنها بعد شهر وخمسة أيام من وفاة أبي طالب. كان أبو طالب عضد رسول الله ³ من الرجال، وما زاد أذى المشركين عليه،³ إلا بعد وفاته. وكانت خديجة سنده ³ من النساء، شجعته وآزرته قبل المبعث. ووقفت معه وآمنت به بعد المبعث ودفعت نفسها ونفيسها من أجله، ³.
تعرضه ³ للأذى
تفنن كفار قريش في إيذائه ³، وقد كان القرآن الكريم يتتبعهم في كل الأحوال ويكشف مكرهم وخبثهم. كان أبولهب بن عبدالمطلب من الذين آذوا النبي،³، هو وامرأته، أم جميل بنت حرب بن أمية، حمالة الحطب، سماها القرآن بذلك لأنها كانت تأخذ الشوك وتطرحه في طريقه ³ فأنزل الله فيها: ﴿تبت يدا أبي لهب وتب﴾ ، إلى قوله تعالى: ﴿في جيدها حبلٌ من مسد﴾ سورة المسد. وهي التي قالت:
مُـذَمَّـمـا عـصيـــنا وأمـــــره أبـيــنــا
ودينــــــــه قليـــنا
وأتت بحجر، ورسول الله ³ بالمسجد ومعه أبوبكر، فأخذ الله بصرها فلم تر الرسول ³ وقالت لأبي بكر: "أين صاحبك؟".
ومن الذين كانوا يؤذون النبي ³ أمية بن خلف، كان إذا رأى رسول الله ³ همزه ولمزه، وفيه أنزل الله: ﴿ويل لكل هُمَزَةٍ لمزة﴾ الهُمَزة: 1. وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة أو الأخنس بن شريق. ومنهم العاص بن وائل السهمي، وكان يعمل عنده خبَّاب بن الأرتّ، من المسلمين المستضعفين، قينَّا (حدادًا) يصنع السيوف، فكان يقول له: سأعطيك أجرك يوم القيامة، استهزاء منه وسخرية، فأنزل الله فيه: ﴿ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدًا ¦ أطَّلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا ¦ كلاّ سنكتب ما يقول ونمدّ له من العذاب مدًا¦ ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا﴾ مريم: 77 - 80. وفيه نزل قول الله تعالى: ﴿ويوم يعضُّ الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً﴾ الفرقان: 27.
وقال الكافرون، الأسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل السهمي، للرسول ³، يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد ونشترك في الخير جميعًا. فنزل قول الله تعالى: ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ سورة الكافرون. وكان الرسول ³ في كل ذلك، صابرًا محتسبًا لم يضعف ولم يتوان ولم يفتر في تبليغ الرسالة، بل احتمل العذاب والأذى وجاهر بكلمة الحق، فلاقى ما لاقى وكان يعلم أن ما ينتظره من الأذى أكثر، لكنه ³ ظل صامدًا بعون الله وبتوفيقه سبحانه. وعندما رأى ³ أن كفار قريش لن يتركوا له وقتًا للراحة والاطمئنان خرج للطائف يدعو بعض القبائل لعلها تستجيب، دعاهم إلى الحق والخير فلم يجد أذنا صاغية واصطفوا له وأخذوا يضربونه كلما رفع رجلاً أو وضعها عليه الصلاة والسلام، حتى أُدمي فعاد إلى مكة ووجد جوارًا عند مُطعم بن عدي. وكان ملك الجبال قد أتاه في أمر الذين عذبوه بالطائف، وخيره في أن يطبق عليهم الأخشبين فكان رده ³: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا ) .
خذلوه وضربوه وآذوه، فلم ينتقم لنفسه ودعا الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده ولا يشرك به شيئًا. إن هذا لشيء عجيب، إنها عظمة النبوة، تتمثل في الصفح عن الأعداء في ساعات القوة، وإنه العفو عند المقدرة.
بيعتا العقبة الأولى والثانية
كان ³ يوافي المواسم كل عام يعرض نفسه على القبائل، يسألهم أن يمنعوه فلم يجد ناصرًا بل كانوا يردون عليه أقبح رد ويؤذونه ويقولون له: أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك.
وفي أحد المواسم، ذهب ³ إلى حي من الأنصار هم الأوس والخزرج، فوجد منهم استجابة وأسلم منهم ذكوان بن عبد قيس وأسعد بن زرارة وتواعدوا على اللقاء في الموسم القادم، فلما قابلهم استجاب له اثنا عشر رجلاً من بني النجار وبني زريق وبني سلمة وبني حزام وبني عبيد بن عدي. كانوا قد لاقوه عند العقبة، فبايعوه على بيعة النساء على أن لا يشركوا بالله شيئًا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصوه في معروف فقال لهم الرسول ³: فإن وفيتم فلكم الجنة ومن غشي من ذلك شيئًا كان أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وانصرفوا إلى المدينة وبعث رسول الله ³ لهم مصعب بن عمير يقرئهم القرآن.
وفي موسم الحج من العام الثالث عشر لمبعثه ³، تسلل إليه الرجل والرجلان إلى أن بلغوا سبعين رجلاً وامرأتين وأتوه في شِعب العقبة، وكان معه عمه العباس قبل إسلامه، وبايعوه على أن يحموه إلى أن يظهره الله. وأخذ عليهم اثني عشر نقيبًا وجعلهم كفلاء عليهم. وسميت هذه البيعة بيعة العقبة الثانية، كما سميت بيعة الحرب خلافًا لبيعة النساء التي سميت بذلك لأن شروط البيعة كانت هي نفس الشروط التي اشترطها ³، لبيعة النساء إذ لم يكن فيها تعمد بحرب من يحارب الرسول ³ وهؤلاء النفر ومن أسلم معهم بالمدينة كانوا ظهرًا منيعًا للإسلام عندما هاجر إليهم الرسول ³ والمسلمون. قال ابن إسحاق، قال عبادة بن الصامت: ¸بايعنا رسول الله ³ بيعة الحرب، على السمع والطاعة، في عُسرنا ويُسرنا ومنشطنا ومكرهنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم· وكانت بيعتا العقبة حجر الأساس في انتشار الإسلام وفي دعم الرسول ³ حين خذلته قبائل العرب. إذ إنه لولا وجود هؤلاء الأنصار بالمدينة لما فكر الرسول ³ في الهجرة إليها ليكون في حمايتهم وفي عزة من الله ومنعة.
الإذن للمسلمين بالهجرة إلى المدينة
أمر رسول الله ³ أصحابه، بعد بيعة العقبة الأخيرة في العام الثالث عشر لمبعثه ³، بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم من الأنصار وقال: (إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانًا ودارًا تأمنون بها ) . رواه ابن إسحاق في سيرته.
وروى ابن سعد في طبقاته أن الرسول ³ قال لأصحابه: (قد رأيت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان، ولو كان السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي ) .
يقول ابن سعد: ثم مكث أيامًا وخرج على أصحابه فقال: (قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها ) . فخرجوا أرسالاً (تباعًا). وكان أول من قدم المدينة أبو مسلمة بن عبد الأسد ثم قدم بعده عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمة، فكانت أول ظعينة (امرأة) تهاجر إلى المدينة. ثم هاجر المسلمون تباعًا إلى المدينة. وكانت هذه الهجرة ثمرة من ثمار بيعة العقبة الثانية. وقد عاد من مكة بعض الأنصار الذين بايعوا الرسول ³ بالعقبة الثانية وبقوا معه بمكة فهم أنصار مهاجرون، ومن هؤلاء ذكوان بن عبد قيس، وكان قد بايع في العقبة الأولى والثانية، وكان من الذين سبقوا للإسلام في موسم الحج، أسلموا حبًا في الإسلام. وقر الإيمان في قلوبهم فساروا مع الإسلام حيث سار وحيث أراد لهم الله ورسوله.
خروجه ³ من مكة إلى المدينة
خرج المسلمون إلى المدينة ولم يبق بمكة إلا رسول الله، ³ وأبوبكر وعلي بن أبي طالب، أو مفتون محبوس أو مريض، أو ضعيف. وعندما خلت مكة من المسلمين ذهل كفار قريش وأرادوا أن يعجلوا بقتل الرسول ³، قبل أن يلحق بأصحابه فاجتمعوا بدار الندوة بمكة واستقر رأيهم على قتله ³ وأوكلوا الأمر لشبان من قبائل مختلفة لكي يتفرق دمه في القبائل، ولا يستطيع بنو هاشم أن يطالبوا بدم من قتله، ويعطوهم الدية، ويخلصوا العرب من هذا الدين الجديد، وهذا الرسول الذي نجح في تأصيل قيم جديدة منافية لما اعتادوا عليه من تقاليد الآباء والأجداد.
وكان الرسول ³ قد اجتمع مع أبي بكر الصديق وأعلمه أمر الله له بالهجرة وطلب أبو بكر الصحبة فوافق ³، وأعد أبوبكر عدة الرحلة، وكلف النبي ³ عليًا بالمبيت في فراشه ليلة خروجه من مكة.
كان شبان قريش قد التقوا أمام داره ³، في انتظار خروجه لينقضوا عليه فخرج ورماهم بحفنة من تراب وتلا قول الله تعالى: ﴿يس والقرآن الحكيم …..وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون﴾ يس: 1-9. فلم يرده وانقلبوا إلى قومهم مخذولين.
وبدأت هجرته ³، إلى المدينة. اختفى هو وأبوبكر بغار ثور (جبل بأسفل مكة) حتى لا تعثر عليهم قريش، وبقيا في الغار ثلاث ليال بين الخوف والرجاء. وكانت قريش قد أعدت جائزة لمن يعيد إليها محمدًا. وكان رجال قريش يحومون أمام الغار فلا يرون شيئًا، إذ إن العنكبوت قد بنت على باب الغار، وحطت حمامتان وحشيتان وباضتا على بابه كذلك، وأتى أحد الكفار مقتفيًا الأثر فلما رأى العنكبوت والحمامتين أيقن أنه لا أحد بهذا الغار، وانصرف إلى أصحابه يبلغهم. وكان الرسول يقول لأبي بكر (ما ظنك باثنين الله ثالثهما). كان أبوبكر يخشى أن ينظر أحدهم تحت قدميه، فيراهما، لكن الله كان معهما.
وخرجا من الغار في دروب وعرة يقصدون المدينة، وتبعهما سراقة بن مالك، فساخت أرجل فرسه في الرمل وطلب منهما الأمان فأجاباه وكتبا له كتابًا بذلك، فأصبح يخذِّل عنهما بعد أن كان يريد أن يردهما إلى مكة.
وفي خيمة أم معبد، يحل الرسول ³ ضيفًا ليتزود بشيء من الطعام يتقوى به على طول الطريق فتقول لهم أم معبد إنها لا تملك في يومها ذاك شيئًا ويرى الرسول ³، شاة عجفاء عزباء يستأذنها في حلبها فتأذن له. فيدر ضرعها وتشرب أم معبد حتى ترتوي ويشرب أبوبكر وعبداللهلله بن أريقط، دليل الرحلة، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق الذي كان يضلل الكفار برعى الغنم أمام الغار حتى تخفى آثار عبداللهلله بن أبي بكر الذي كان يأتيهما بأخبار قريش. وشرب رسول الله ³ وحلب ثانية حتى ملأ الإناء لها مرة ثانية.
ولما بلغ الأنصار خروجه من مكة كانوا يخرجون إلى الحرة ينتظرونه، ودخل ³ المدينة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من بعثته وكان أول من رآه رجل من اليهود، كان على سطح أطَمة (بناء مربع مرتفع) فنادى بأعلى صوته: يابني قيلة، هذا جَدّْكم الذي تنتظرون. فخرج الأنصار في سلاحهم وحيوه بتحية النبوة وبما يستحق من الإجلال والإكبار، وكان ذلك يومًا مشهودًا في تاريخ المدينة والإسلام. استقبله أصحابه ³، استقبالاً طيبًا يليق بمقام النبوة، ما من بيت في المدينة إلا وقد تمنى أن يكون رسول الله ³، نزيله. فرح غامر ملأ القلوب، وكان ترديد النساء والصبيان والإماء "هذا رسول الله قد جاء قد جاء".
ونزل ³ بقباء على كلثوم بن الهدم وقيل على سعد ابن خيثمة وتوافد عليه المسلمون، وخرج الغلمان والجواري يرحبون بالنبي ³، أشد الترحاب ويحتفون بمقدمه أشد الحفاوة. كانوا يريدون السلام عليه ³، فلم يستطيعوا أن يفرقوا بينه وبين أبي بكر، فلما اشتد الحر قام أبوبكر يظلل رسول الله ³، وحينئذ عرفوه وأراد كل واحد منهم أن يستضيفه ³، وهو يقول لهم: (ذروا ناقتي فإنها مأمورة ) .
وبركت ناقة رسول الله ³، عند موضع مسجد رسول الله ³، وكان لغلامين يتيمين من الأنصار، سهل وسهيل، فاشتراه منهما بعشرة دنانير وقد أرادا، أن يجعلاه هبة له ³ فأبى.
وفكر ³، في بناء المسجد، فبناه المسلمون وبنى رسول الله ³ معهم وجعل ينقل الحجارة ويقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغـــفـر للأنصـار والمهـاجـرة
وكان هذا إنجازًا من إنجازات الهجرة. وثمة إنجاز آخر أشد تأثيرًا في نفوس المسلمين وأبعد عمقًا في تاريخ الإسلام، ذلك هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، آخى بينهم ³ على الحق والمؤاساة والميراث بعد الممات دون ذوي الأرحام إلى أن أنزل الله تعالى آية الميراث بعد بدر. وقد كانت تلك المؤاخاة وما زالت مثلاً للإخاء في الإسلام الذي لا يفرق بين المسلمين على اختلاف الديار والأمصار بل يجمع بينهم وإن فرقتهم الألسنة والأعراق.
كانت الهجرة وما زالت نورًا يضيء في تاريخ الإسلام، تجلت فيه قدرة الله ومشيئته، وباركت إرادة الله تصميم البشر وعزم الرسل. ولو لم يكن للرسول ³، شاهد إلا الهجرة لكانت خير شاهد على أنه رسول الله.