نعلم جميعا أن التعليم يعد استثمارا بشريا ، له مدخلاته وعملياته وأهدافه وتدخل التقنيات الحديثة فى هذا الإستثمار لأنها تشكل منهجا منظما للعملية التعليمية ، ولذلك ازداد الإهتمام فى السنوات الأخيرة بدور التكنولوجيا فى هذه العملية ، ودار جدل كبير حول أهمية التكنولوجيا وأنواعها ، وجدوى الاستعانة بها ، وأفضل الأساليب للإستفادة منها فى تطوير التعليم ومعالجة مشكلاته ورفع اداء المعلم والطالب ، فى محاولة لبلوغ ما نصبو اليه ومواجهة تحديات العصر ، لأن التعليم ركيزة بناء الأمة والإرتقاء بالشعوب وتحقيق الرفاهية للفرد والمجتمع . ونحن نعيش اليوم عصر التكنولوجيا والمعلومات ، وهما المحرك لآليات التطور فى كل جانب من جوانب الحياة . ومن هنا بدأت تكنولوجيا التعليم تعمل على تطبيق المعرفة المنظمة فى حل مشكلات تتعلق بالمواقف التدريسية التى تواجهنا .
فتكنولوجيا التعليم تشمل مجالات فرعية لكل منها وظائف معينة واساليب خاصة لتحقيقها ، ومنها :
( أ ) تطوير التعليم :
وهى العملية التى نتبع بموجبها نظاما خاصا ، نقوم فيه بتحليل الحاجات وتقدير أهميتها وتصل الى المحتوى الدراسى الذى ينبغى اتقانه لمواجهة هذه الحاجات وتحديد الأهداف الأدائية ، وتصميم أو اختيار المواد التعليمية للوصول الى تحقيق هذه الأهداف ، ثم تجريب البرنامج المقترح وتعديله فى ضوء المعلومات عند نتائج تقويم اداء المتعلم وتحصيله . وتعد عملية اعداد المناهج عملا جماعيا ، لذل يتطلب إعداد المادة التعليمية المحسبة تضافر جهود فريق من المتخصصين يضم المدرس والإدارى والمبرمج الفنى لضمان جودة المادة التعليمية وتفادى هدر الإمكانات فى الجهد والمال والوقت .
ويتطلب تصميم المادة التعليمية تحضير معلوماتها العلمية وصياغتها وتجهيزها وتقسيمها الى وحدات سهلة الإستيعاب ثم التوصيف المقنن المفصل لجزئياتها وبيان ما يتخلل ذلك العرض من الشرح اللفظى والصور والأشكال البيانية والأسئلة الإختبارية . ويشترك فى تصميم المادة أيضا مبرمجو الحاسوب ومختصو اللغة ومراقبو الجودة ، حيث ينبغى أن نعد المادة التعليكية المحوسبة إعدادا يلبى مواصفات الإنتاج الجيد علميا وفنيا ، وأن تستكمل فى اعدادها اجراءات الإنتاج المتقن تخطيطا ومراجعة وتصحيحا واخراجا وانتاجا .
( ب ) الإدارة التعليمية
وهى البعد الثانى لتكنولوجيا التعليم ، ويقصد به ادارة وظائف وخدمات برامج التكنولوجيا وتطوير التعليم ، ويقصد بالإدارة هنا تطبيق الأسس العلمية ونتائج الأبحاث التى توفرت فى مجالات الإدارة والإقتصاد والعلوم الإنسانية والإلكترونيات فى تحقيق وظائف هذا المجال وفق أنظمة ونماذج خاصة فالتعليم بصفة عامة هو عصب تقدم أمم وتخلف أمم أخرى ، ولا شك أن الدول المتقدمة تولى التعليم عناية قصوى ليس لتربية العقول السليمة فحسب ، بل وللتأكد من مواكبتها ركب التطور المطرد الذى هو سمة من سمات هذا العصر ، والهدف من التعليم هو تنمية العناصر البشرية ، ويمكن تقسيمها الى أربعة أنواع رئيسية من الكوادر هى : الفنيون ، الجامعيون ، الباحثون ، المخططون وصانو القرار ، وبمكن تطوير هذه الكوادر الأربعة على أساس تخطيط واضح ، تؤخد فيه الأولويات الإستراتيجية للدولة ، ويتحدد تبعا لذلك الكم المطلوب من العناصر البشرية فى كل كادر ، سواء أكان فى التعليم الفنى أم التعليم الجامعى ، أم التعليم البحثى ، والذى هو امتداد للتعليم الجامعى ، واعداد المخططين والقادة وهم الذين أنهوا مرحلة التعليم الجامعى والتعليم البحثى ، وبذلك يأتى الطالب بمعلومات راسخة وقدرة على التطبيق والإبتكار فى مجال تخصصه .
وكان لإختراع متعدد الوسائط أهمية كبيرة فى حقلى التربية والتعليم ، حيث تساهم هذه الوسائط والتقنيات فى توسيع أنظمة التربية المستعملة ، وتخلق امكانات ووسائل تعليم جديدة ، وتساعد على زيادة قدرة الاستيعاب لدى مختلف الأجيال والمراحل التربوية ، وتخلق وسائل ايضاح حديدة فى نقل المحاضرات وسماعها واقامة الندوات والقاء المحاضرات وغير ذلك . كما تساعد هذه التقنيات فى ايجاد مواد تعليمية جديدة ، يشكل الحاسوب العمود الفقرى لها . وتكون المواد التطبيقية سهلة الوضوح والاستيعاب ، ومساعدة للمواد النظرية فى شرح الموضوعات المختلفة . وفى الوقت نفسه ستكون وسائل الإيضاح والتقنيات الجديدة فى خدمة المعوقين جسديا وفكريا وعصبيا ، وستساهم بشكل علمى وفعال فى انخراط هذه الفئات فى المجتمع عن طريق نقل المعلومات اليها بطريقة سهلة ، وبمساعدتها على تخطى عقدها النفسية عبر وضع امكانات الحواسيب فى خدمتها . أما على الصعيد العلمى وخصوصا البحث العلمى ، فسيكون فى استطاعة العلماء وأساتذة الجامعات من الدول المتطورة ، وحتى الباحثين من الدول النامية ، الاستفادة من بنوك المعطيات والمعلومات المحمية طوال قرون من الزمن فى الدول المتطورة والاطلاع على الأبحاث الحديثة المتقدمة التى ينتجها العلماء فى الدول المتطورة ، وهذا يشكل فى حد ذاته خطوة كبيرة الى الأمام ، تساعد على رفع المستوى العلمى والتكنولوجى للدول النامية . ويعلم الجميع مدى أهمية الاطلاع على البحوث الموجودة والتطورات العلمية والنشرات والموضوعات المكتشفة لتطوير العلوم وتحديثها ، وقد كان العلماء والباحثون فى الدول النامية مضطرين للسفر الى الدول المتطورة والغوص فى مكتباتها للحصول على المعلومات العلمية المطلوبة لأبحاثهم ، مع ما يترتب على ذلك من عناء وضياع للوقت وهدر للأموال .
أما الآن ، فقد استطاع العلماء بوساطة الطرق السريعة للمعلومات الإطلاع على كل جديد فى أى حقل من الحقول بسرعة فائقة دون أية تكلفة ، بل يكفى أن تسمح الدول الغنية والمسؤولون فيها بتدفق المعلومات على هذه الطرق ، وباتجاه الدول غير المتطورة ، دون أى حظر على دولة دون غيرها ، أو على معلومة معينة . والواقع فإن وجود مراكز للمعلومات باتت مسألة ملحة ، لهذا كان لا بد أن تبدأ الأقطار العربية ببناء مراكز أبحاث متميزة كما هو متبع فى دول كثيرة ، بحيث تستقطب هذه المراكز الدارسين من الوطن العربى ويجب أن يكون التخطيط لمثل هذه المراكز على النظام القومى ، وليس على النظام الإقليمى ، فوجود مثل هذه المراكز يمنع إهدار الإستثمارات ببناء مراكز متشابهة فى كل قطر عربى . كذلك فإن وجود مثل هذه المراكز التى يمكن أن يلتقى فيها الباحثون العرب ، يعد بوثقة تنصهر فيها العقول العربية من أجل العمل للصالح العام ، وبعيدا عن النزعات الإقليمية ، بحيث يتحقق الوصول بالأمة العربية الى المستوى المطلوب ، وحتى لا تزداد الهوة بيننا وبين الدول المتقدمة الأخرى أكثر مما ينبغى .