Development of Education
إصلاح التعليم
تطوير التعليم
إعادة بناء التعليم
موجِّهات أساسية في إعادة بناء التعليم
صيغ تطوير التعليم
إجراءات بديلة للصيغة الصناعية
--------------------------------------------------------------------------------
أصبحت دراسة الكمبيوتر أساسية في المراحل المختلفة للتعليم الجامعي والتطبيقي.
تطوير التعليم مصطلح يشير إلى إحداث تغييرات أو تعديلات في نظام التعليم. ونظام التعليم سواء في الدول المتقدمة أو النامية ليس مستقلاً بذاته، وإنما يتأثر ويؤثر في أنظمة أخرى في المجتمع مثل: النظام السياسي والاقتصادي والإداري والاجتماعي والثقافي والتقني؛ ولذا نجد أن التغيرات التي حدثت في الربع الأخير من القرن العشرين، قد استوجبت في كثير من الدول إحداث تغيير في النظام التعليمي بها.
تُستخدم في الإشارة إلى التغييرات التي تحدث في النظام التعليمي ثلاثة مصطلحات: إصلاح التعليم، وتطوير التعليم، وإعادة بناء التعليم.
إصلاح التعليم. يشير هذا المصطلح ـ عادة ـ إلى إصلاحات جزئية في نظام التعليم، سواء أكانت هذه التغييرات في هيكل التعليم مثل زيادة أو إنقاص سنة في إحدى مراحل التعليم أو تغيير نظام التشعيب إلى علمي وأدبي ورياضيات في المرحلة الثانوية، أو في مضامين المناهج مثل إضافة أو حذف بعض المقررات، وإدخال بعض المفاهيم الجديدة في بعض المقررات، أو في تقديم خدمات التعليم في المدرسة، مثل العناية بالنشاط المدرسي رياضيًا كان أو اجتماعيًا أو ثقافيًا، أو تطوير الكتب المقررة ونحوها. وقد يكون الإصلاح موجهًا إلى الإجراءات، مثل نظام اليوم الكامل في بعض الدول ونظام الفصلين الدراسيين، ونظام الساعات المعتمدة، ونحو ذلك.
يقول بعض المتخصصين عن سياسة الإصلاحات الجزئية في نظام التعليم، إنها أشبه بإلقاء أحجار متناثرة في مواقع مختلفة، بمجرى نهر عظيم، على أمل إقامة سد عال تحُتجز فيه المياه أو تحويل مجرى النهر.
تطوير التعليم. مصطلح التطوير يشير إلى إجراءات أعمق في نظام التعليم؛ حيث ينظر في التطوير إلى الآثار المتبادلة بين مكونات النظام التعليمي؛ فالتغيير الذي يحدث في أهداف التعليم (أحد مكونات النظام) يقتضي تغييرًا في محتويات المناهج، وفي المواد التعليمية وفي أساليب التدريس وفي تدريب المعلمين وفي طرائق التقويم.
والافتراض الأساسي الذي يعتمد عليه التطوير هو التسليم بأن العيب الجوهري في نظام التعليم هو تدني مستويات أداء العاملين فيه طلابًا كانوا أو معلمين أو إداريين، وأن آليات التطوير هي أن تتدخل السلطة المركزية في النظام التعليمي، لتقوم بتحديد أهداف التطوير ووضع أولوياته ووصف الأدوار التي يجب أن يؤديها أفراد الفئات المعنية بالتعليم: الطلاب والمعلمون والمديرون والموجهون، وإبلاغها إليهم، ومتابعة تنفيذهم إياها، وتقويم أدائهم بصور شتى. وهذا يعني أن حركات تطوير التعليم تستهدف تشديد قبضة السلطة المركزية على التعليم، وزيادة عمليات المراقبة والإشراف والضبط وتطبيق نظام الثواب والعقاب.
وقد عُنيت الدراسات الحديثة في مجال التغييرات في نظام التعليم بتقييم المحاولات التي جرت في بعض البلاد المتقدمة تحت شعار إصلاح التعليم أو تطوير التعليم. وقررت بعض الدراسات قصور هذه المحاولات في تحقيق الأهداف المنشودة منها، ولذا صار المصطلح الأكثر تداولاً هو مصطلح إعادة بناء التعليم.
إعادة بناء التعليم. لا يعني هذا المصطلح هدم مؤسساته الحالية، أو أن يتوقف نشاطها انتظارًا لإقامة البناء الجديد، وإنما يعني أن تُستبدل تصورات جديدة بالتصورات الحالية للتعليم، ويجب أن تستقر هذه التصورات في نفوس الطلاب والمعلمين والإداريين ومن هم في قمة الهرم التعليمي، وأن تشيع لدى كل المعنيين بالتعليم وخاصة أولياء أمور الطلاب.
موجِّهات أساسية في إعادة بناء التعليم
تعتمد حركة إعادة بناء التعليم على موجهات أساسية منها: 1- غاية التعليم، هي أن يتعلم الطلاب كيف يتعلمون وأن يتابعوا التعلم في إطار أفكار مثل التعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة. 2- اقتران التعليم بالعمل؛ بحيث يكون للتعليم عائد اجتماعي على الفرد والمجتمع. ومقتضى هذا هو ضرورة التئام الفكر النظري بالتطبيق العملي في كل مجالات التعليم، وفي سائر مراحله. 3- التعلم عمل ذاتي، فعلى المعلمين أن يفجروا الإمكانات الفعلية لدى المتعلمين وأقلها شأنًا تنمية ذاكرة الحفظ والتلقين، وأعلاها قدرًا وأبقاها أثرًا تنمية التفكير الناقد للذات وللأوضاع الاجتماعية، وابتداع البدائل المشروعة لتأصيل واقع إنساني أفضل. 4- إن نظم التعليم ـ في بلاد العالم قاطبة ـ تواجه تحديات شتى، منها ما يخص النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديموجرافي، ومنها ما يتصل بالانفجار المعرفي، والثورة التقنية، وخاصة في وسائل الاتصال. وأن مواجهة هذه التحديات لن تجدي فيها عمليات الإصلاح الجزئي، أو تطوير التعليم مركزيًا، مهما كانت نوايا القائمين بها صادقة. 5- ضرورة أن يتوجه التعليم إلى تأصيل الذاتية الثقافية لكل أمة، وأن يتصدى لعلاج حالات الاعتلال الاقتصادي والاجتماعي والخلقي التي تنشأ في المجتمع لأسباب مختلفة، وهذا يعني تأكيد القيم الدينية والاجتماعية والخلقية والثوابت في كل مجتمع. 6- إن التعليم ـ في أي مجتمع ـ نسق ثقافي، وإن إعادة بنائه تعني ـ في التحليل النهائي ـ إحلال معتقدات وتصورات وقيم ومعارف جديدة لدى المعنيين بالتعليم والمشاركين فيه وخاصة المعلمين الذين يعملون في مجال الإنتاج التعليمي، بالإضافة إلى الطلاب والمديرين والهيئات المعاونة في مؤسسات التعليم.
هذه الافتراضات الأساسية تقتضي تغييرات جذرية شاملة في أهداف التعليم، وفي بنيانه التنظيمي، وفي مضامين مناهجه، وفي أساليب تقديمه، وفي المواد التعليمية (الكتب المقررة ونحوها) وفي استراتيجيات التعليم، وفي نظم تقويم إنجازات الطلاب والمعلمين وإنجازات نظام التعليم بوجه عام.
صيغ تطوير التعليم. تدل مراجعة الدراسات الحديثة في مجال تغيير نظم التعليم على أن هناك صيغتين لتطوير التعليم، أو إعادة بنائه.
الصيغة الأولى توصف بأنها تقنية صناعية؛ تسوِّي بين تطوير نظام التعليم وتطوير مصانع الأغذية أو الأسلحة أو الأحذية، ويُفترض في هذه الصيغة أن إصلاح التعليم، أو بالأحرى تطويره، يعني تحسين مُدخلاته، وعملياته للوصول إلى تحسين مُخرجاته. وقد استعيرت هذه الصيغة من مجال الصناعة وإدارة الأعمال، وطُبقت في مجالات التعليم. ومن أكثر المفاهيم التصاقًا بهذه الصيغة، وأكثرها شيوعًا مفهوم المحاسبية والتعليم المؤسس على الكفايات والإدارة المتخصصة، ونظام التخطيط والبرمجة والميزانية ونظام التوصيل ونحوها.
وقد دلت نتائج أبحاث حديثة على خطأ الافتراض الذي يسوي بين نسق التعليم وبين النظم الأخرى المستخدمة في: المصانع أو السجون أو المستشفيات.
تعتمد صيغة التقنية الصناعية على افتراض آخر؛ مغزاه أن تطوير التعليم، يمكن أن تجدي فيه سلطة علوية، يتولاها من هم في قمة السلطة التشريعية، بالتعاون مع من هم في قمة السلطة التعليمية، وذلك عن طريق وضع استراتيجية لتطوير التعليم، ورسم خطة لإصلاحه، وتحديد الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه الخطة في صورة قوانين ولوائح وتعليمات، يُدفع بها إلى من هم في وسط البناء التعليمي، وإلى من هم في قاعدته، على أن يتولى أهل القمة متابعة الإشراف والتنفيذ ومراقبة الأداء ومحاسبة العاملين وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب.
ويعاب على هذا الافتراض أنه يتبنى في إصلاح التعليم نموذجًا خطيًا؛ من أعلى إلى أسفل، وأنه لا يجدي في تطوير التعليم؛ لأن التعليم نظام ثقافي، لا يتم تطويره بمجرد الأوامر والنواهي، هذا بالإضافة إلى ما يحدثه تبني هذا النموذج المتسلط من إحباطات شتى للعاملين في المجال التعليمي تقلل ثقتهم في أنفسهم وتحفزهم إلى مقاومة الإصلاح أو التغيير بوسائل مختلفة.
الصيغة الثانية وتوصف بأنها صيغة ثقافية إيكولوجية، وتعتمد هذه الصيغة على الافتراضات الأساسية التالية: 1- نظم التعليم في بلاد العالم المختلفة، تجسد ثقافة المجتمع في كل قطر، ومؤسسات التعليم وإن اتحدت في هياكلها المظهرية العامة (البناء، المختبرات، المناهج) فإنها تمثل ثقافات مختلفة. 2- إن كل مدرسة تمثل ثقافة فرعية بعينها، قد تختلف عن ثقافة المدارس الأخرى؛ بمعنى أن كل مدرسة تضم مجموعات من البشر (الطلاب والمعلمين والمديرين) وأن لهذه المجموعات من البشر معتقدات وقيمًا واهتمامات ووجهات نظر واتجاهات وعادات في الفكر وفي العمل تدفعهم إلى النهوض بأعمالهم بكيفيات معينة، تؤثر في الناتج النهائي للتعليم، وتتمثل في إنجازاتهم المعرفية العقلية وفي نزعاتهم الوجدانية وفي طموحاتهم وسمات شخصياتهم وفي ألوان السلوك التي يقومون بها. 3- إن كل مدرسة تحل في بيئة طبيعية معينة، وتكتنفها بيئة اجتماعية خاصة: الموقع الجغرافي، المباني والتجهيزات، المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمتعلمين وأسرهم، حجم المدرسة، وسائل الوصول إليها، ومؤسسات اجتماعية تحيط بالمدرسة، وتؤثر في انجازاتها سلبًا وإيجابًا. وهذا ما يشير إليه وصف الصيغة بأنها إيكولوجية (بيئية). 4- إن تطوير التعليم لا تجدي فيه عملية التطوير من بُعْد؛ وإن الفئة التي يمكنها أن تطور التعليم حقًا هي فئة العاملين في حقل التعليم (المعلمون)، وإن اتساع الثغرة بين واضعي سياسات تطوير التعليم والممارسين، يجعل التواصل بينهما أمرًا صعبًا، وإن فرض التطوير من أعلى، قد يؤدي إلى انقطاع التواصل وزيادة مقاومة التجديد في التعليم.
إجراءات بديلة للصيغة الصناعية. وتأسيسًا على الافتراضات السابقة، فإن أنصار الصيغة الجديدة الثقافة الإيكولوجية في تطوير التعليم أو بالأحرى في إعادة بنائه يقدمون البدائل التالية: 1- يُستبدل بالتطوير الخطي السلطوي تطوير تكون فيه القيادة جماعية، يتولاها أهل المعرفة العلمية المضبوطة بشؤون التعليم، وذوو الخبرات الحية العميقة بمجالاته. وهذا لا ينفي المبادرات التي تقوم بها السلطة المركزية وإنما يعتبرها حقًا لأهل السلطة وواجبًا عليهم؛ وذلك يعني أن ينظر إلى مبادراتهم على أنها فروض قابلة للمناقشة وللتعديل والتصحيح والحذف والإضافة والرفض، بعد مناقشتها مع الفئات المعنية. 2- تستبدل صور شتى من ألوان التفاعل والحوار الديمقراطي، وتبادل وجهات النظر بين الفئات المعنية بأمر التعليم في مستويات مختلفة بالقوانين والتعليمات واللوائح التي تصدرها السلطة المركزية. 3- العدول عن الإصرار البيروقراطي، واتباع التعليمات التي تفرض على المعلمين والموجهين والطلاب إلى زيادة المساحة المتاحة لكل الفئات المعنية بالتعليم، للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم، وتتصل بممارساتهم. 4- العدول عن مراقبة الأداء والإشراف والمحاسبة إلى افتراض مستوى معين من الثقة والقدرة على الفهم، وحسن التصرف من جانب الممارسين، وأن يتم استبدال مفهوم المسؤولية بمفهوم المحاسبية الذي تعتمده الصيغة الصناعية التقنية. 5- إتاحة قدر كاف من حرية التفكير والعمل للعاملين في مجالات تغيير التعليم في نطاق ما يُتفق عليه، بالنسبة لتوزيع المسؤوليات المطلوبة لإعادة بناء التعليم، واتخاذ الأخطاء التي قد يقع فيها بعضهم وسيلة لتعليمهم. 6- العدول عن مقولة مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ في تطوير التعليم وإحداث قدر كبير من التوازن بين المركزية واللا مركزية في كل إجراءات تطوير التعليم.
في العدد 670