1 . الإشراط الكلاسيكي : بدأت دراسة الإشراط الكلاسيكي في السنوات الأولى من القرن الحالي على يدي عالم البيولوجي الروسي ايفان بافلوف الذي نال جائزة نوبل نتيجة أبحاثه على عمليات الهضم . فعندما كان بافلوف يدرس سيلان اللعاب عند الكلاب لاحظ أن الكلب يسيل لعابه ليس فقط لمجرد وضع الطعام في فمه وإنما لمجرد رؤية طبق الطعام أيضاً . وقد أثار ذلك اهتمام بافلوف وحاول أن يدرس إمكانية تعليم الكلب لان يسيل لعابه نتيجة عوامل أخرى من مثل رؤية ضوء أو سماع نغمة صوتية , وما شابه .
أ . تجربة بافلوف : تتخلص تجربة بافلوف الرئيسية على إحضار كلب و إجراء عملية جراحية له في فكه بحيث يتم تعريض غدده اللعابية إلى السطح ووصلها بكبسولة لتجميع اللعاب السائل في داخلها . بعد ذلك يوضع الكلب على طاولة و يتم تثبيته فوقها لمنعه من الحركة .
وفي العادة تكون الطاولة التي يوضع عليها الكلب موجودة في غرفة مانعة للصوت , ويتم وضع هناك عددا من المرات حتى يتعود الوقوف على الطاولة بهدوء . بعد ذلك يتم ترتيب إجراءات التجربة بحيث يمكن إنزال مسحوق اللحم إلى صحن موجود أمام الكلب بطريقة آلية ومن ثم قياس كمية اللعاب السائل بشكل آلي أيضاً . ويستطيع القائم على التجربة مراقبة حركات الكلب من خلال مرآة ذات وجه واحد , لأنه من الضروري أن يظل الكلب بعيداً عن الأمور المشتتة للانتباه .
وفي أثناء التجربة فإن الشخص القائم عليها يقوم بإدارة مفتاح للضوء موجود على جدار الغرفة المقابل للكلب . وعندها فمن المتوقع أن يقوم الكلب ببعض الحركات ولكن لعابه لن يسيل . وبعد مرور بضع ثواني على ذلك ينزل الجهاز مسحوق اللحم أمام الكلب ويطفئ الضوء . وبما أن الكلب يكون جائعاً , فإن الجهاز يسجل إفرازا غزيرا من اللعاب في هذه الحالة يمثل استجابة غير شرطية , لأنها لا تتضمن أي نوع من التعلم . كما ويعتبر مسحوق اللحم في هذه الحالة مثيراً غير شرطي . وفي العادة يتم إعادة مثل هذه الإجراءات عددا من المرات . و الآن إذا أردنا أن نتأكد إن الكلب قد تعلم أن نربط بين الضوء وقدوم الطعام , فإن على المجرب أن يدير الضوء دون أن يصاحب ذلك تقديم للطعام . فإذا قام الكلب بإفراز اللعاب نتيجة رؤيته للضوء , حكمنا عندئذ بأنه تعلم الربط بين رؤية الضوء و تقديم الطعام وفي هذه الحالة تسمى عملية إفراز اللعاب بالاستجابة الشرطية و الضوء بالمثير الشرطي .
هذا ويعتبر تقديم الطعام بعد رؤية الضوء معززاً , بحيث أنه إذا تأخر تقديم الطعام أو أنه أنقطع نهائياً , فإن الاستجابة الشرطية تأخذ في الذبول أو الانطفاء حتى تختفي نهائياً . وقد أظهرت التجارب التي جرت على مبادئ الإشراط الكلاسيكي إن الاستجابة الشرطية , رغم انطفائها , فإنها قد تعود بين الحين و الأخر بشكل تلقائي أو عفوي , وإنه إذا ما تم تقديم الطعام بعد انطفاء الاستجابة فإنها تعود ثانية إلى الظهور و تحتاج إلى زمن أقصر لأن يتم تعلمها من جديد .
ب . مجال الإشراط الكلاسيكي : الإشراط الكلاسيكي يمكن استخدامه في حالة الحيوان و الإنسان على حد سواء ويمكن من خلاله اشراط الكثير من الاستجابات لمثيرات غير أصلية . فمثلاً يمكن استخدامه لإثارة ردود الأفعال العاطفية من خوف فإذا وضعنا كلباً في غرفة مقفلة وعرضناه لصدمات كهربائية على فترات متتالية , وكنا نسمعه صوت جرس قبيل تعرضه للصدمة , فإنه بعد عدد من هذه الصدمات سوف يستجيب لصوت الجرس بنفس الطريقة من الخوف التي يستجيب بها لإثار الصدمة الكهربائية , ولو إن الأخيرة لم تحصل بالفعل . بعبارة أخرى , فإن الكلب يكون قد أشرط للاستجابة لمثير محايد .
والكثير من المخاوف البشرية يتم توليدها بنفس الطريقة السابقة , وبالأخص في مرحلة الطفولة . و أكبر دليل على هذه المخاوف يتم اشراطها بهذه الكيفية هو كون الكثير منها تتم معالجته من خلال أساليب تعتمد على مبادئ الإشراط الكلاسيكي . فالشخص الذي يكون لديه خوف شديد من القطط فإن مثل هذا الخوف يمكن التخلص منه إذا ما تم تعرض الفرد باستمرار للقطط في مواقف لا تبدو مثيرة للخوف .
ج . ظاهرتي التعميم و التمييز :
( 1 ) التعميم : عندما يصبح بمقدور مثير ما أن يحدث استجابة معنية , فإن مثيرات مشابهة له يمكن أن تحدث نفس الاستجابة أيضاً . فإذا تعلم كلب ما أن يستجيب بسيلان لعابه لرنين شوكة رنانة بموجة ( ج ) فإنه سوف يستجيب بالمثل لرنين شوكة موجتها من طبقة أعلى قريبة من المثير الأصلي , كلما كانت إمكانية حلولها مهمة سهلة . إن هذا المبدأ , هو الذي نسميه بالتعميم , يفسر لنا كيف إننا نستجيب لمواقف جديدة نظراً لتشابهها مع مواقف سبق لنا أن خبرناها .
إن الدراسات الدقيقة قد أظهرت إن كمية التعميم تتناقض بشكل تدريجي كلما قل تشابه المثيرات البديلة من المثير الأصلي . ومن التجارب التي أظهرت ذلك تلك التي قام بها ( هو فلند ) والذي اشرط فيها استجابة الجلد الجلفانية عند الآدميين إلى نغمة بذبذبة معينة مستخدما صدمة كهربائية خفيفة كمثير شرطي . وبعد أن تم اشراط الاستجابة الجلفانية , فقد حاول أن يتبين أثر النغمات التي هي من طبقة أعلى أو أدنى من طبقة النغمة الأصلية . وقد وجد إن الاستجابة تتضاءل كلما اختلفت طبقة النغمة الجديدة عن طبقة النغمة الأصلية وبشكل ملحوظ . وتسمى هذه الظاهرة بمنحدر التعميم .
إن تعميم المثير ليس من الضروري أن يكون مقصوراً على أحد الحواس دون الأخرى . فمثلاً في حالة الإشراط الجلفاني السابق فليس من الضروري أن يكون حدوثه مقصوراً على سماع صوت الجرس , وإنما يمكن أن يحدث باستخدام الجرس أو لفظة جرس كمثير شرطي .
( 2 ) . التمييز : إن العملية المتممة للتعميم هي التمييز . و التعميم هو رد الفعل عند وجود تشابه بين المثيرات , أما التمييز فهو رد الفعل عند وجود اخلافات بينها . و التمييز الاشراطي ينتج عن طريق التعزيز التفاضلي ففي إحدى التجارب الخاصة بهذا النوع من الإشراط فقد استخدم مثير صوتي له نغمتين مختلفتين و متمايزتين . وفي بعض المحاولات كانت تقدم النغمة الأولى مع صدمة كهربائية بسيطة بعدها , وفي بعض الحالات كانت تقدم النغمة الثانية دون أن يعقبها حدوث صدمة . وقد تم تقديم هذين المثيرين عددا من المرات و بترتيب عشوائي . وفي المحاولات الأولى للتجربة , فقد كانت الاستجابة الشرطية ( الاستجابة الجلفانية ) تحدث في حالة كل من النغمتين على حد سواء و مع تقدم العمل في التجربة , فإن قوة الاستجابة للنغمة الأولى كانت تقوى , بينما كانت قوة الاستجابة للنغمة الثانية تضعف , حتى اختفت نهائياً , وقد تم إحداث تمييز شرطي بين المثيرين . ويمكن تمثيل عملية التمييز الناجمة عن التعزيز التفاضلي _ أي تعزيز الاستجابة لمثير وعدم تعزيزها لمثير آخر شبيه ومن هذا المبدأ نرى إن الاستجابة عندما تعزز تقوى باستمرار و عندما لا تعزز تضعف باستمرار أيضاً .
د . الإشراط الكلاسيكي وبعض حالات تكون العادات : العلاقات أو الروابط المحدد التي درست في تجربة بافلوف و ما شابهها تتطلب تحديد الطريق التي يمكن للعميل أن يستجيب فيها مع تحديد لكل من المثيرات و الاستجابات . وبما إن هذه التحديدات لا يسهل استخدامها خارج المختبر فإنه قد يبدو هناك جو من التصنع يحيط بعملية الإشراط . وعلى كل حال فإنه لا يهمنا القيام بتجارب الإشراط أكثر من اهتمامنا بالاستفادة من المبادئ المشتقة من الإشراط . لقد سبق لنا أن أوضحنا على سبيل المثال , كيف يمكن لمبادئ الإشراط أن تساعدنا في فهم شكل واحد من أشكال السلوك العاطفي المكتسب ألا وهو الخوف الاشراطي . أنه ليس من الصعب علينا أن نخرج باستنتاجات من مبدئي التعميم و التمييز فيما يختص بالسلوك الخاص بتكون العادات . فعندما يكون الطفل قد تعلم أن يقول ( عو – عو ) لرؤية الكلب فإنه من الواضح إن رؤية مثير مشابه كالشاه , يمكن أن تنتزع منه نفس الاستجابة . وعندما يتعلم الطفل لأول مرة اللفظ _ دادي فإنه يستخدمها لجميع الرجال و مع استخدام مبدئي التعزيز التفاضلي و الذبول أو الانطفاء التفاضلي , فإن الطفل يتعود أن يقصر استعمالها في حالة عدد محدود من الأشخاص .
إننا سنؤجل المزيد من البحث في إمتدادات مبادئ الاشراط حتى نفرغ من بحث الاشراط الإجرائي حيث أن الكثير من الأمور قد يحسن تفسيرها على ضوء كل من هذين النوعين من الاشراط .