يقف الخوف وراء معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها بنو البشر ، وقد ظهرت مئات من الدراسات تهدف إلى تخليصهم من مشاعر الخوف والخجل والقلق والإحباط .. الخ وكل ما يتعلق بها من عواطف ، ولكن لوملكنا الشجاعة الكافية في مواجهة الحقيقة لتقبلنا فكرة استحالة الخلاص من الخوف ، فيجب أن نتوقعه كجزء لا يتجزأ من واقعنا النفسي ، والذي نستطيعه فقط هو التكيف معه حتى لا يحرجنا ويزيد من اضطرابنا .
وعلينا أن نتعلم كيف نحلل هذه المخاوف لنكتشف مدى حقيقة الأسس التي قامت عليها ، وبما أن مشاعر الخوف متشابهة فمن الصعب غالباً أن نميز بين الخوف من واقع ملموس وذلك الذي اكتسبناه عادة لنا ، كانت نفسية أو ذهنية أو بدنيه ، فمن المهم أن نعتقد بأن الخوف لا يصيب أحداً دون الأخر بل هو صفة عامه ، فالملايين يشاركونك نفس الشعور بالذنب أو القلق أو الخطيئة ، وهذا الاعتقاد بذاته مفيد في تجاوز المشكلة .
الخوف منذ الطفولة ...
يبدأ الخوف أحياناً بالظهور في سن مبكرة فيصيب الرضيع في مهده ، ويقول البعض أن المخاوف الوحيدة التي تولد مع الطفل هي رهبة الأصوات الحادة والسقوط ، أما البقية فتأتي بعد حين ، وذلك باهمال والديه له وعدم تمييزهم وخشونتهم فيولد عنده شعوراً بالأمان ، ومن الجائز أن يكون هذا متعمداً حتى يجبروه على طاعتهم .
والخوف الذي يبدو مضخماً عند الطفل هو خشية والديه ، وقد يفاجأ الوالدان إذا عرفا سبب الخوف الناشئ في نفس الطفل ، ليس من خلال الوسائل العلنية كالعقاب والتأنيب ولكن بأشكال القيود التي وضعت لمصلحته في الأساس وذلك لأنهم لم يتفهموا حاجاته ورغباته ، فيصير هذا الخوف حاجزاً مصمتاً يفصل بين الطفل ووالديه .
وهناك نسبة من الأطفال تفضل البقاء خارج المنزل ، إما لخوف الطفل من تقلب والديه وتوبيخهما المفاجئ له من غير سبب يعلمه ، أو لأنه يكتوي بنار الغيرة من عطف والديه المسبوغ على أخ له أو أخت ، شاعراً بإهماله ونبذه .
ونقص الأمان النفسي هذا ينعكس على شكل وتوتر الطفل ، فإما أن يصير مستبداً في مدرسته حتى يعوض عن إهمال أهله له في البيت أو أن يصاب بعقدة الدونية .
وأكثر ما يعاني الكبار من مشاكل نفسية فسببها الأساسي يكون أصولها إلى مراحل الطفولة الأولى نضرب مثلاً على هذا الشخص قاسى من شظف العيش في طفولته ومن عوز، ترك بصماته محفورة في الذاكرة ، وبعد أن كبر وتنامت ثروة بين يديه ، تمادى في البذخ الفاحش والاهتمام بالمظاهر الزائفة بدون وعي منه ولا حساب ، وهذا كله فقط حتى يعوض عقدة النقص التي استبدت به منذ الطفولة ، وفي حالة أخرى أصيبت فتاة بتوتر شديد بسبب خوفها من الظلام ، وقد كان الخوف عائداً إلى حادث تعرضت له في صغرها ليلاً ،
فإن المخاوف الكامنة ذات الجذور البعيدة كانت قد نمت بسبب ضعف جسماني يمنع الطفل من حرية الحركة ، مسبباً له توتراً وتزعزعاً في ثقته بنفسه ، فلا تستعاد هذه الثقة إلا إذا عولجت قدمه وهكذا .
الخوف في سن المراهقة..
الخوف من عدم القدرة أو الافتقار للموهبة . إحساس شائع بين المراهقين ، فيبرز على شكل توتر عضلي ، وهو عادة سر دفين لا يباح به ، وحين يصير المراهق شاباً يخاف بينه وبين نفسه من اختيار المهنة المناسبة لإحساسه بالقصور وعدم التكافؤ فيصبح واحداًً بين الألوف الذين يرغبون بكل بساطه في الحصول على أية من مهنة مهما كانت ، وأمثال هؤلاء كثيرون ، فبعد أن وصلوا إلى أواسط أعمارهم ، وجدوا فجأة أنهم غير مرتاحين في حياتهم وغير راضيين عما حققوه ، ويتملكهم إحساس بأن السنين تمضي من دون أن يحصلوا على نور بسيط من تطلعاتهم وآمالهم ، ولكن من الطبيعي أن النتيجة لا تأتي قبل التجربة ، فلماذا أنت خائف ؟؟؟ أن كل إنسان نجح في المجال الذي تحبه أو العمل الذي ترغبه بدأ من حيث أنت الآن ، ومن غير أن يعلم أبداً نتيجة تجربة تلك ، ولهذا لم يجرؤ على التخمين كيف ستكون مقدرته على تحقيق هدفه .
أن خيبة الأمل والإحباط الذي يأتي بعد العزوف عن عمل تحبه ومن غير محاولة يخلق توتراً لا براءً منه ، ولكن الفرصة لم تفت بعد ، أحفر في جوف نفسك حتى تصل إلى جذور خيبة الأمل واكتشف عن رغباتك القابعة في أعماق ذاتك ، فإذا لم يكن باستطاعتك أن تمترس ما أحببت على شكل مهنة أو وظيفة فلا أقل من ممارستة كهواية ، ومن يدعي أن الأوان قد فات ، فهو مكابر يتخلق أعذارا .
[]الخوف عند النساء[/u]..
تعدد الخوف عند جنس حواء ، فمن أهم هذه المخاوف وهو الخوف العميق الذي يعتري كل النساء تقريباً بعد سن الأربعين بسبب القلق من تغير الشكل العام والإضرابات الجنسية ، ولذا سمي بسن اليأس أي فقدان الأمل في استعادة الشباب الآفل ، وبالرغم من العلاجات المعروفة كالجراحات التجميليه والتمارين وتزييف السن إلا إنها قد توتر على الأخريين فقط ، أما ضحية الخوف من الكهولة فلن تخدع إلا نفسها .
ويساعد الطب كثيراً في اجتياز هذه المرحلة بأقل صعوبة تذكر نفسياً وبدنياً ولكن ما يجدي معه الدواء وهو الخوف من تقدم السن ، وعلاجه الوحيد الاقتناع بأن العمر لا يتوقف أبداً عن التقدم فهذه حقيقة لا مفر منها وتنطبق على كل كائن حي ، وحين تقتنع المرأة أن النهار مهما كان جميلاً لا ينفي غروب الشمس في نهايته ، سيمكنها بعد هذا تقلب مخاوفها الساكنة في الأعماق إلى مرح وإقبال واستمتاع باللحظة الآنية فقط .
الخوف عند الرجال..
هناك مخاوف يشترك فيها معظم الرجال ، وهي ترقب الوصول إلى سن التقاعد أي عدم المقدرة على العمل بحزن وأسى ، وبالرغم من بعض الضمانات الاجتماعية وغيرها إلا أن عقدة الخوف تسيطر على النفس وتثيرها .
وليس من أصعب من أن نصل إلى سن الشيخوخة بلا قلق أو وجل يعترينا ، ولكن بدلاً من رفض هذه الفكرة كلياً ، يجب أن نتعلم مواجهتها وليس الخجل منها أو التهرب من ذكرها ومقاومة المحتوم اعتبار المشكلة غير موجودة أصلاً .
لا تدار خوفك..
مهما كانت طبيعة تلك المخاوف فمن المؤكد إنها تصيب الجميع ، وما دمت تتستر عليها فقد وقعت في أغلالها وشباكها ، ألق عليها نظرة في ضوء الحقيقة وتحدث عنها ، وحين تستوي هذه الإحساس بلا رتوش ، هنا ينكشف الخطر ، ومن الجائز أن يتستر المرء على ما يقلقه وجلا من رأي جائر أو تقييم خاطئ من الأخريين ، ولكن الكتمان ثمنه توتر شديد سيدفعه صاحبه ومن يحبهم أيضاً .
والحاجة إلى الكلام والفضفضة والتصريح عما يجيش به الصدر دفعت إلى وجود العيادات النفسية ، حيث يعالج الطبيب مريضه بالإنصات المتعاطف .